Severity: Notice
Message: Undefined index: dID
Filename: controllers/cms.php
Line Number: 38
Backtrace:
File: W:\wamp64\www\newweb\application\controllers\cms.php
Line: 38
Function: _error_handler
File: W:\wamp64\www\newweb\index.php
Line: 315
Function: require_once
القضايا الاقتصادية التي عالجتها الغرفة عام 2010
قانون التخصيص:
إنجاز من حيث المبدأ، قصور من حيث الجدوى
في الثامن عشر من مايو 2010، وبعد مناقشات مطوّلة وحادّة، أقر مجلس الأمة الموقر قانون تنظيم برامج التخصيص.
وبهذه المناسبة أصدرت الغرفة بياناً ضمّنته ملاحظاتها حول هذا القانون، وتم نشر البيان في الصحف المحلية في الثامن عشر من مايو 2010.
وفيما يلي نص هذا البيان:
بين انقطاع ووصل، وبين مدٍ وجزر، استمر العمل على إصدار تشريع ينظم عملية التخصيص في دولة الكويت ستة عشر عاماً. وطوال هذه السنوات، لم تدخر غرفة تجارة وصناعة الكويت جهداً في رفع المذكرات وتقديم الأوراق والدراسات عن مفهوم التخصيص ومنطلقاته، وحول أهدافه وشروط نجاحه، فضلاً عن مناقشتها لمشاريع ومقترحات القوانين التي قدمت في شأنه. وللغرفة 12 مذكرة وورقة منشورة في هذا الموضوع.
غير أن الغرفة لم تُدلِ خلال الشهرين الأخيرين بدلوٍ في مناقشة مشروع قانون تنظيم برامج التخصيص، لأنها ارتأت أن ذلك يقع في محظور لزوم ما لا يلزم، والتزود بما لا زيادة عليه. إذ سبق لها - ومنذ عام 2006 - أن أبدت رأيها في هذا المشروع شفاهاً وكتابة عدة مرات. وملفات اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس الأمة تشهد بذلك.
واليوم، وبعد أن أقر مجلس الأمة قانون تنظيم برامج التخصيص، تجد الغرفة من واجبها أن تسجل الملاحظات التالية:
أولاً- التخصيص - بمفهوم غرفة تجارة وصناعة الكويت - إعلان عملي وتشريعي عن تبني منهج جديد للتنمية، يقوم على تحرير قوى السوق بغية الانتقال بالاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي يتحكم فيه الإنفاق العام، إلى اقتصاد إنتاجي يحركه القطاع الخاص. فالتخصيص - بهذا المعنى - جزء من استراتيجية شاملة للإصلاح تعيد النظر في دور الدولة الاقتصادي، وتنتقل بمسؤوليتها في توفير السلع والخدمات من التزويد والتوريد إلى الرقابة والتنظيم. وبالتالي، فإن معيار نجاح أو إخفاق التخصيص يكمن في قدرته على تسريع هذا الإصلاح، وبأقل تكلفة اقتصادية واجتماعية ممكنه.
ثانياً- هذا الموقع الأساس الذي يشغله التخصيص في بناء الاستراتيجية التنموية، لا يعني على الإطلاق أنه دواء ناجح لمعالجة كافة المشاكل الاقتصادية، كما أنه لا يجعل من التخصيص هدفاً بحد ذاته، ولكنه – بالتأكيد - يؤهله لأن يكون مدخلاً أساسياً لتحقيق أهداف عديدة أهمها: معالجة الاختلالات الرئيسية التي يعانيها الاقتصاد الكويتي من حيث إعادة التوازن لهيكل العمالة والسكان، والانتقال بمفهوم الوظيفة العامة من أداة لتوزيع إيرادات النفط إلى أداة للتنمية. هذا إلى جانب تحفيز المنافسة العادلة محلياً، وتعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني دولياً، وزيادة المساهمة الشعبية في ملكية المؤسسات الإنتاجية والخدمية اجتماعياً.
ثالثا- أصاب القانون الجديد حين أخذ بمنهج التشريع الشامل بدل إصدار قانون مستقل لكل عملية تخصيص. كما أصاب حين حدّد القطاعات التي لا يمكن تخصيصها، مطلقاً إمكانية تخصيص كل القطاعات الأخرى، بدل أن يأخذ بالتوجهات السابقة التي تقوم على تحديد مجالات التخصيص، لتجعل عدم التخصيص هو الأصل.
رابعاً- جاء القانون واضحاً تماماً من حيث ضمان تحقيق المنافسة، وحماية مصالح المستهلك، ومتابعة ورقابة مستوى الأسعار وجودة السلع والخدمات، فضلاً عن حماية المال العام عبر عدالة تقييم أصول المشروع العام. كما حقق القانون سبقاً عالمياً وبفارق شاسع من حيث حماية حقوق العاملين في المشاريع العامة التي يجري تخصيصها.
خامساً- وبالمقابل، ونتيجة الضغوط السياسية وتسويات اللحظة الأخيرة، تغلبت الاعتبارات والمصالح السياسية الراهنة على العديد من الحقائق الاقتصادية الثابتة والأهداف الاجتماعية طويلة المدى، فتركت بالقانون ثغرات عديدة نخشى أن يكون لها أثر كبير في إضعاف قدرته على تحقيق أهدافه. ومن أهم هذه الثغرات:
أ- لم يضع القانون إطاراً زمنياً لتحقيق برامج التخصيص، ولم ينص على وجوب أن يقترح المجلس الأعلى للتخصيص مثل هذا الإطار المجدول. لقد استغرق إصدار القانون ستة عشر عاماً، ونأمل ألا يستغرق تنفيذه سنوات طويلة أخرى تهدر جدواه.
ب- نعتقد أن التعديل الذي أجري في اللحظة الأخيرة على المادة الرابعة ليمنع تخصيص مصافي النفط هو تعديل جانبه التوفيق. مثله في ذلك مثل استثناء قطاعي الصحة والتعليم اللذين يمثلان أكبر أبواب الميزانية العامة تكلفة قياساً إلى المردود والجودة، ومقارنة بالدول الأخرى.
ج- يرأس رئيس مجلس الوزراء المجلس الأعلى للتخصيص، ويضم في عضويته خمسة وزراء، وثلاثة أعضاء متفرغين من ذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص.
وقد تعلمنا من تجارب كثيرة سابقة أن المقصود بذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص شخصيات عملت وبرزت في ظل الإدارة العامة وليس لها تجربة في القطاع الخاص، والنص على ضرورة تفرغها يؤكد قناعتنا هذه. أي أن القانون الذي يتعلق بالتخصيص والقطاع الخاص لن يشارك القطاع الخاص في ترشيد تنفيذه. وبتعبير آخر، إن القانون الذي يقوم على أساس أن القطاع الخاص هو المحرك الأول للنشاط الاقتصادي، يعلن منذ البداية إقصاء القطاع الخاص كلياً عن عملية التخصيص، ويجرح الثقة فيه.
د- المادة (14) من القانون أجازت للمجلس الأعلى للتخصيص أن يقرر مجانية الأسهم المطروحة للاكتتاب العام وطرحها لجميع المواطنين بالتساوي. وفي اعتقادنا، أن مثل هذا الجواز سيصبح
وجوباً دائماً نزولاً عند الضغوط السياسية. إن من حق الحكومة أن تدفع لكافة المواطنين وبالتساوي ثمن ما يمكن ان يحصلوا عليه من أسهم وأكثر. وللمواطنين أنفسهم أن يقرروا بعد ذلك الاكتتاب من عدمه. أما الاكتتاب المجاني فهو الأسلوب الذي يشوه معنى المشاركة في الملكية، ويميع مفهوم الشركة المساهمة ، ويفتح الباب على مصراعيه لتمركز ملكية الأسهم في أيد قليلة.
هـ- إن إطلاق حق الدولة بتملك السهم الذهبي في ملكية كافة الشركات التي ستؤسس نتيجة التخصيص، وعدم حصر هذا الحق في الشركات التي تتمتع بمركز احتكاري أو تتملك مرفقاً استراتيجياً، يشكل انحرافاً ضاراً بمفهوم السهم الذهبي وغايته، وهو انحراف طارد للاستثمارات الأجنبية، ومحبط للمستثمر الوطني، لأنه يخلق قلقاً مبرراً من أن يقترن تخصيص الملكية بتأميم الإدارة.
وخلاصة القول، أن إقرار قانون تنظيم برامج التخصيص يعتبر - من حيث المبدأ - خطوة بالغة الأهمية تحسب للحكومة ولمجلس الأمة معاً. غير أن الثغرات العديدة والكبيرة التي خلفتها الضغوط السياسية في بنية هذا القانون جعلته – من حيث الواقع - قاصراً عن تبليغ الرسالة التي يفترض أن يحملها باعتباره إعلاناً رسمياً عن تبني الكويت لمنهج جديد في التنمية، يقوم على تحرير قوى السوق، وينتقل بالاقتصاد الوطني من اقتصاد ريعي يتحكم به الإنفاق العام إلى اقتصاد إنتاجي يحركه القطاع الخاص.
وأخيراً، تود غرفة تجارة وصناعة الكويت أن تركز على أمرين أثنين:
أولهما؛ تفهمها العميق لأسباب القلق الشعبي حيال قانون التخصيص، لأنه ليس مجرد قانون اقتصادي بالغ الأهمية، بل هو- أيضاً وبذات الدرجة - قانون ذو انعكاسات سياسية واجتماعية بعيدة المدى. ولا ملامة – في اعتقادنا - على المواطن الكويتي في نظرته المرتابة إلى القانون، ذلك لأن الحكومة ومجلس الأمة والتيارات السياسية كلها قد أهملت التوصيات الدولية والمحلية الداعية إلى تنظيم حملة إعلامية لتشكيل رأي عام متفهم للإصلاح الاقتصادي وأهدافه، متعاون مع إجراءاته وسياساته، واثق بجدواه للوطن والمواطنين.
وثانيهما؛ التنبيه إلى خطورة التشوهات التي تسببها الضغوط السياسية للتشريعات الاقتصادية الجديدة. إننا – وبإجماع الرأي – بحاجة إلى تشريعات تساهم في تنظيم العملية التنموية وتهيء لها الأدوات والآليات والتسهيلات اللازمة. غير أن حاجتنا هذه تقترن بوجوب أن تأتي هذه التشريعات قادرة على تحقيق أهدافها بعدل وتوازن ووضوح. ويؤسفنا القول أن عملية التشويه السياسي للتشريعات الاقتصادية أصبحت ظاهرة بالغة الخطورة، نراها واضحة في قانون الاستثمار الأجنبي، وفي قانون شراكة الدولة والقطاع الخاص، وقانون العمل في القطاع الأهلي، وقانون التخصيص. وهي قوانين يعكس صدورها - بالتأكيد - رغبة تنموية صادقة لدى الحكومة ومجلس الأمة على حدٍ سواء. غير أن ما أصابها من تشويه سياسي يعكس، في الوقت ذاته، عجز الطرفين عن الوصول إلى رؤية تنموية مشتركة واضحة. ويبقى الأمل في أن يكون لدينا جميعاً الشجاعة الكافية للإقرار بالخطأ عندما يكشفه الواقع، والعزيمة القادرة على إجراء التعديلات اللازمة في ضوء التطبيق الفعلي.