Severity: Notice
Message: Undefined index: dID
Filename: controllers/cms.php
Line Number: 38
Backtrace:
File: W:\wamp64\www\newweb\application\controllers\cms.php
Line: 38
Function: _error_handler
File: W:\wamp64\www\newweb\index.php
Line: 315
Function: require_once
القضايا الاقتصادية التي عالجتها الغرفة عام 2009
تحت رعاية حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، نظمت جمعية الشفافية الكويتية، خلال الفترة 19- 20 أبريل 2009. منتدى الكويت الثالث للشفافية، تحت شعار الكويت مركز مالي وتجاري. وشاركت غرفة تجارة وصناعة الكويت في فعاليات المنتدى ممثلة بمستشارها السيد ماجد بدر جمال الدين الذي أعد وقدم ورقة بعنوان الإصلاح الاقتصادي شرط أساسي لنجاح استراتيجية المركز المالي والتجاري. وفيما يلي نص هذه الورقة:
أولاً - العلاقـة بين الأداء الاقتصـادي والفسـاد الإداري
تفاعـل في اتجاهين
تقديـــــم:
في عالم السياسة والتجارة يقال: من يضحك أخيراً يضحك طويلاً . وأنسج على هذا المنوال في مجال المؤتمرات والمنتديات فأقول: من يتحدث أخيراً يتحدث قليلاً . ذلك أن السابقين يكفون التابعين مؤونة الاجتهاد في عرض كثير من الأفكار. خاصة إذا كان السابقون في مقام واقتدار الأفاضل الذين تعلمت وتمتعت بالإصغاء إليهم. ومع ذلك، أستميحكـم وأستميحهـم عذراً في ترسم خطاهم ومحاكاة لباقتهم، لأكرر التقدير لجهود جمعية الشفافية الكويتية والقائمين عليها، ولأعيد الثناء على موضوع منتداهـا الثالـث هـذا الكويت مركز مالي وتجاري لأنها اختارت من خلاله أن تتطلع إلى المستقبل وتضيء شمعـة، بدل أن تحدّق في الماضي لتحدد من المسؤول عن اللبن المسكوب. وبهذا، يكون المنتـدى قد ساهم – دون أن يقصد – في إغناء وترشيد حوارات حملة انتخابية سيكون لها أثر بعيد في رسم ملامح هذا المستقبل.
بقي أن أقول؛ إن تحدثي إليكم اليوم امتياز اسبغته علي – مشكورة – غرفة تجارة وصناعة الكويت. أما مضمون الحديث، فللغرفـة وحدها أجر صوابه، وأرجو أن يكون جزيلاً. وعليَّ وحدي وزر أخطائه، وهي ولا شك كثيرة.
الاتجاه الأول: التكلفة الاقتصادية للفساد الاداري:
حتى ثمانينات القرن الماضي، كان البحث في ظاهرة الفساد يكاد يكون قصراً على المختصين في الإدارة العامة والعلوم الاجتماعية والسياسية. غير أن التسارع في انتشار الفساد وتزايد حجمه من جهة، وتطور علم الاقتصاد وأدواته التحليلية من جهة ثانية، غيّرا هذا الوضع تماماً. فأصبحت العلاقة بين الفساد والأداء الاقتصادي موضوعاً محورياً في أبحاث الاقتصاديين ودراساتهم، واضطر البنك الدولي للتخلي عن موقفه الرافض للتصدي لهذه الظاهرة ليعلن أن الفساد قضية اقتصادية ، وليصبح من أكثر المؤسسات الدولية نشاطاً في هذا المضمار. ولا يعزى هذا الانعطاف الحاد وهذا الاهتمام العالمي إلى مجرد زيادة الوعي بمشكلة قديمة قِدم الدهر، بل يأتي انعكاساً لاتساع نطاق هذه الظاهرة وتزايد مخاطرها بشكل غير مسبوق. وللتدليل على ذلك، إسمحوا لي أن أعرض – وباختزال يكاد يكون معيباً – عدداً من نتائـج الدراسات عن علاقة الفسـاد بالتنمية والأداء الاقتصادي:
واستكمـالاً لهذه النتائـج، ولكي نتفهم كيف ينخر الفساد في البنية الاقتصادية، من المفيد أن نتحدث عما يمكن تسميته مضاعـف الفسـاد لأنه يتفق في المنطق وسلسلة الآثار المتتابعة معمضاعف الاستثمار وإن كان يختلف عنه في النتائج . وكما يدلنا تحليل مضاعف الاستثمار عند كينز، تتولد عن كل زيادة في حجم الاستثمار سلسلة متلاحقة من الزيادات في الدخل القومي، يضعف حجمها تدريجياً إلى أن يتلاشى أثرها مع نهاية السلسة. وعلى المنوال نفسه، نجد مضاعف الفساد يشير إلى أن أية
زيـادة أوليـة في حجم الفساد تؤدي إلى سلسلة من الانعكاسات السلبية تتساقـط خلالها مدفوعـات الفسـاد تبعاً لدورة اقتسامها بين كبار المستفيدين والوسطاء والمساعدين والأتباع. ومن المفارقات الطريفة في هذا الصدد، أنه كلما ازدادت درجة احتكار الفساد (كما في الأنظمة الدكتاتورية والمافيات المنظمة) كلما تحسنت نوعية خدمات الفاسدين وقلت تكلفتها. والعكس صحيح إذا ما توزعت مراكز تقديم هذه الخدمات.
وقد لخص إبـن خلدون بإيجاز وإعجاز هذه العلاقة بين الوظيفة العامة والمصلحة الخاصة، حين كتب عن الجاه الجالب للمال وعن المال المشتري للجاه. فلو وضعنا ما قصده بالتعابيـر الحديثة لقلنا : تسخير السلطة لكسب المال، وتوظيـف المال لاكتساب السلطة. وهكذا، يصبح للغني منصب رسمي، ويصبح المنصب العام مدراً للريع. وعندما تزداد هذه الثنائية المشبوهة تفاعلاً ، نتعرَّف بسهولة على أصل الاحتكارات الاقتصادية غير المؤهلة التي تفرض ذاتها بقوة الفساد في كثير من الدول النامية .
الاتجاه الثاني؛ السياسات الاقتصادية الخاطئة حاضنة للفساد:
في السنوات القليلة الماضية، توضحت معالم نظرة أو نظرية جديدة في العلاقة بين الفساد والأداء الاقتصادي، تعتمد تحليلاً أكثر قرباً إلى السلوك الإنساني في التعامل الاقتصادي، وتقوم على أن الفساد، في العديد من صوره، لا يعكس بالضرورة تشوّهاً في القيم بقدر ما يعكس نقصاً في الحرية الاقتصادية. وبتعبير آخر؛ إن العلاقة بين الفساد الإداري والأداء الاقتصادي ليست علاقة أحادية الاتجاه يكون فيه الفساد سبباً بإضعاف الاقتصاد، بل هي علاقة ذات اتجاه آخر أيضاً، يكون فيها الفساد ذاته نتيجة الأداء الاقتصادي المتعثر، بسبب خطأ السياسات وانحراف المؤسسات وعجز الإدارة. ومن هنا، يصبح الإصلاح الاقتصادي، بالضرورة، شرطاً أساسياً لتطويق الفساد.
والغريب فعلاً في هذا الصدد، أننا نجد جذوراً واضحة لهذه النظرة الحديثة في رسالة للمقريزي كتبها قبل ستة قرون كاملة عن الأزمات الغذائية في مصر، وختمها بالقول: ليس بالناس غلاء إنما نزل بهم سوء التدبير في الإدارة . وهي خلاصة لا أجد أكثر منها بلاغة واختصاراً في تفسير العلاقة بين خطأ السياسات والإجراءات (سوء التدبير) وانتشار الفساد. ولتوضيح نظرية خلل السياسات أو سوء التدبير هذه، أعرض مشهديـن من واقع التجربة الكويتيـة بالذات:
المشهد الأول؛ بين عامي 1970 و 2000، نجحت ماليزيا في إيجاد فرص عمل مجزية ومنتجة لأكثر من ست ملايين قادم جديد إلى سوق العمل. بينما لم تنجح الكويت - للأسف الشديد - في إيجاد فرص عمل منتجة لما يقل عن 150 ألف قادم كويتي (1/40 من الرقم الماليزي). والفارق بين الدولتين أن ماليزيا تعاملت مع ظاهرة ازدياد السكان والقوة العاملة باعتبارها فرصة يجب استثمارها، وأداة نمو ينبغي تأهيلها وتطويرها. بينما تعاملت الكويت مع الظاهرة ذاتها باعتبارها مشكلة يمكن استخدام الوفرة المالية لمعالجتها، واختارت التوظيف الحكومي غير المنتج وسيلة لذلك. وهكذا تقدمت (الدولة الفقيرة) ماليزيا تقدماً كبيراً، وبقيت (دولة الوفرة المالية) الكويت تعاني ضيق القاعدة الإنتاجية، واختلال التركيبة السكانية وهيكل العمالة، بكل صور الفساد والمفسدين التي نجمت عن هذا الاختلال، وفي طليعتها تجارة الاقامات وتجارها. بل إن انتشار ظاهرة الرشوة في الكويت يعزى بالدرجة الأولى إلى أن تضخم الجهاز الحكومي قد قلّص كثيراً من إمكانات الدولة في زيادة الرواتب بنسب متكافئة مع ارتفاع تكاليف المعيشة.
أما المشهد الثاني؛ فيتمثل بسياسة الدولة باحتكار ملكية أكثر من 95% من أراضي الكويت، ورفض بيعها على المواطنين، واعتماد منهج التأجير المعقد طويل الأجل. وهي السياسة التي وضعت أمام مشاريع التنمية في البلاد معيقات شديدة الصعوبة، وإشكالات مركّبة التعقيد، نجم عنها حالات صارخة من الخطايا والأخطاء والاعتداء على المال العام.
نخلص من هذا كله إلى القول، أن نظرة فاحصة لنتائج دراسات التكلفة الاقتصادية للفساد الإداري، ونظرة أكثر قرباً وعمقاً إلى السلوك الإنساني في الحياة الاقتصادية، تؤكدان ثـلاث حقائق بالغة الخطورة بالنسبة للكويت :
أولاها؛ أن الطبيعة الريعية للاقتصاد الكويتي، والمنهجية الحالية في إدارته، قابلتان بشكل تلقائي لممارسة درجة عالية من الفساد. فإذا أضفنا لذلك الموروث الاجتماعي الذي يشكل عاملاً ضاغطاً ومؤثراً في سلوك الأفراد، تبيّن لنا أن الكويت تمتلك - للأسف الشديد- العديد من مكونات البيئة الحاضنة للفساد.
والثانية؛ أن الفساد، بتجلياته الاقتصادية في الكويت، لا يعكس تشوّهاً في القيم بقدر ما يعكس نقصاً في الحرية الاقتصادية. وبتعبير آخر، إن كلاً من انتشار الفساد الإداري وضعف الأداء الاقتصادي يمثل سبباً ونتيجة في آن معاً. فالاختلالات الهيكلية في الاقتصاد الكويتي، إلى جانب خطأ السياسات، يؤديان إلى انتشار الفساد الإداري. وهـذا - بدوره - سرعان ما يعمل على تكريس الواقع الهش والسياسات الخاطئة، والمنبثقة أصلاً من هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي. فهذه الهيمنة منحت الموظف العام سلطات قوية، يستطيع من خلالها التأثير على مشتريات الدولة ومشاريعها الضخمة، وبالتالي، على توزيع المغانم وفرض الأتاوات والمغارم.
أما الحقيقة الثالثة، فهي محصلة طبيعية للحقيقتين السابقتين، ومفادها أن أية استراتيجية وطنية لجعل البيئة الكويتية بيئة مقاومة للفساد، لابد وأن تنطلق من العمل على تحقيق الإصلاح الاقتصادي، المتمثل في العودة بالدور الاقتصادي للدولة إلى ثوابته في النظم الديموقراطية، ليكون لها سلطة الرقابة والمساءلة والتصحيح، وليكون للقطاع الخاص دور الإنتاج والتوزيع وتقديم الخدمات، منفتحاً على العالم، قادراً على المنافسة، متحرراً من المفاهيم والممارسات الخاطئة، ومتحملاً لمسؤوليته الاجتماعية في احتضان قوة العمل الوطنية.
ثانيـاً- الكويت مركز مالي وتجاري : برنامج تنفيذي للإصـلاح
المرتكزات الأساسية للمركز المالي والتجاري:
منذ ستينات القرن الماضي، وقضية توسيع القاعدة الإنتاجية، وتوظيف الإيرادات النفطية جسراً للانتقال نحو اقتصاد إنتاجي متوازن، تمثل الهدف الأول لكل خطط التنمية ولكل البرامج الحكومية بلا استثناء. ومع ذلك، يمكن القول أن الكويت لم تحقق تقدماً يذكر على هذا الصعيد، بل ربما كان العكس هو الصحيح.
وواقع الحال، أن هذه القضيّة بقيت هدفاً دون استراتيجية، وأملاً دون خارطة طريق، إلى أن أعاد حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله، في أكتوبر 2004، إطلاق الرؤية التنموية الهادفة إلى جعل الكويت مركزاً مالياً وتجارياً. علماً أن الدعوة إلى جعل الكويت مركزاً تجارياً على الأقل، تعود أيضاً إلى ستينات القرن الماضي، حين طرحت أراء بجعل الكويت كلها منطقة تجارة حرة. وهي آراء تجدد طرحها عام 1988 حين أقر مجلس الوزراء استراتيجية القيمة المضافة المرتفعة، كما تجدد الحديث الرسمي والشعبي عنها عام 1997 عند بحث قانون المناطق الحرة .
إن حماسنا لهذه الرؤية العريقة - الحديثة ينبثق من انسجامها مع تراث الكويت وخبرتها من جهة، ومن توظيفها الذكي للمزايا الاقتصادية النسبية لدولة الكويت من جهة ثانية. غير أن حماسنا هذا يجب ألا ينسينا أن تحقيق الرؤية يتطلب درجة عالية جداً في التنافسية على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وهي تنافسية يجب أن نحشد لبنائها جهوداً ضخمة وتغييرات جذرية في المفاهيم والمنطلقات والممارسات، وفي السياسات والتشريعات، وفي البنى الأساسية والمؤسسية، وفي التعليم والثقافة والسلوكيات. خاصة وأننا نبدأ من راهن يضع الكويت - حسب التقرير العالمي للتنافسية - في المراكز الأخيرة من حيث حرية التملك لغير المواطنين، ومن حيث البيئة الجاذبة للاستثمار المباشر.
ودون الدخول في التفاصيل، يمكننا القول أن تنافسية أي مركز مالي* تقوم على أربـع مرتكزات رئيسية:
1- بنية أعمال ملائمة، ومناخ استثماري جاذب. وتحت هذا العنوان تندرج كثير من الشروط والمتطلبات منها؛ بيئة تشريعية وتنظيمية مشجعة ومستقرة، جهاز حكومي كفء، نظام قضائي واضح وعادل، أجهزة قضائية متخصصة، انفتاح تجاري وخدمي كامل، تحرير أنشطة المصارف والاستثمار والتأمين وبيوت الاستشارات المختلفة... .
2- بنية أساسية متطورة؛ وخاصـة في مجالات تقنيات الاتصال، المواصلات، والصحة والتعليم...
3- هيئات رقابية فعالة تدعم إيجاد بيئة رافضة للفساد المالي والإداري وخاصة من حيث تخفيف البيروقراطية، واعتماد الحكومة الالكترونية وإطلاق الحق في الاطلاع.
4- انفتاح فكري وثقافي واجتماعي، يستطيع تقبل الآخر والتعامل معه واحترام ثقافته وحضارته، دون التضحية بهويتنا الدينية والقومية والحضارية.
* يمكن تعريف المركز المالي بأنه موقع جغرافي تتواجد فيه وحدات مصرفية ومالية متعددة الجنسية متنوعة النشاط ، تعمل في مجالات التمويل والوساطة المالية على نطاق إقليمي وعالمي.
وبنظرة فاحصة لهذه المرتكزات الأربـعة، يبدو لنا بكل وضوح أن تحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري، ليس إلا صياغة الإصلاح الاقتصادي في إطار برنامج تنفيذي. وكما لاحظنا بداية أن الأداء الاقتصادي المتعثر يمكن أن يكون نتيجة للفساد الإداري وسبباً له في آنٍ معاً، نلاحظ هنا أن استراتيجية المركز المالي والتجاري يمكن اعتبارها آلية لتحقيق الإصلاح الاقتصادي ونتيجة له في الوقت ذاته .
قضايـا رئيسيـة ذات علاقـة :
أولاً- تؤكد التجارب العالمية أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين نمو المراكز المالية والنشاط التجاري. فسنغافورة، وماليزيا وهونغ كونغ - على سبيل المثال - لم تكتسب موقعها على خارطة المراكز المالية، إلا بعد أن عززت دورها كبوابات تجارية لمحيطها. وتطوير الكويت كمركز مالي يرتبط إلى حدٍ بعيد - في اعتقادنا - بالنجاح في استعادة دورها كبوابة تجارية لمنطقتها. وبالتالي، إن الانفتاح التجاري وما يرتبط به من سياسات ومفاهيم هو المدخل الصحيح لإيجاد مركز مالي فاعل. والواقع، أنه إذا كان لنشوء الدول وارتقائها تفسير تاريخي يختلف من دولة إلى أخرى، فإننا نستطيع القول أن حرية التجارة، أو الحرية الاقتصادية حسب التعبير الحديث، هي التفسير الصحيح لبداية المجتمع الكويتي وقيام دولته. وهذا ما يفسر لنا لماذا كان الكويتيون تجار المنطقة، ولماذا كانت التجارة الجسر العريض لتواصلهم مع العالم، والنشاط الرئيسي الذي أعطى مجتمعهم كثيراً من خصائصه، وأولها التمسك بالحرية.
ثانياً- إذا كان التقرير العالمي للتنافسية قد وضع الكويت في مرتبة متأخرة جداً من حيث الاعتماد على إدارة عامة محترفة، فإن القطاع الخاص لم يكن أحسن حظاً بكثير، إذ جاء في التقرير ذاته أن الكويت تأتي بالمرتبة 92 من أصل 125 دولة من حيث كفاءة مجالس إدارة الشركات. وبينما تعاني الإدارة العامة الكويتية من انعكاسات الضغوط السياسية المختلفة على تركيبتها وأدائها، تعاني إدارة القطاع الخاص من بروز سمة العائلية وتحالفاتها حتى في الشركات المساهمة العامة، وهذا ما يتناقض كلياً مع اعتبارات الكفاءة في الحالتين.
وإذا كان تحكّم المدراء بسياسات الشركة وتوجيهها بما يخدم مصالحهم الخاصة قد أدى الى تعثر العديد من الشركات الأمريكية والأوربية، فإن سيطرة كبار المساهمين على الإدارة كان له نتائج مماثلة في العديد من الشركات الكويتية. وهذه ظاهـرة يجب التعامل معها بأسلوب حذر وحازم إذا ما أردنا الكويـت مركزاً مالياً . خاصة وأن المصارف وشركات الاستثمار والخدمات المالية، التي تشكل العمود الفقري للمراكز المالية ، تأتي في طليعة الشركات المعرضة للفساد إذا ضعفت فيها الشفافية والرقابة والمساءلة.
ثالثاً - تزعم مجموعة غير قليلة من أصحاب الفكر الاقتصادي والسياسي، أن الأزمة المالية العالمية الراهنة تمثل بداية النهاية لنظرية الحرية الاقتصادية ونظام اقتصاد السوق، لأن تدخل الدولـة لكبح تداعيات الأزمة وخسائرها يُسقط دعائم النظرية والنظام على حدٍ سواء. وواقع الأمر، أن الحرية الاقتصادية لم تنكر يوماً حق الدولة في الرقابة والاشراف والتصحيح، وفي التدخل لتسريع التنمية وحماية الأمن الاجتماعي . وتدخل الدولة في الأزمة الحالية ليس جديداً إلا في حجمه، وتاريخ الدول ذات الأنظمة الاقتصادية الحرة حافل بالتدخل حماية للحرية الاقتصادية من تطرف دعاتها. والأزمة المالية العالمية الراهنة ليست أزمة في بنية اقتصاد السوق أو أسس الحرية الاقتصادية، بل هي نتيجة إخفاقات وانحرافات كثيرة أهمهــا؛ تهاون الحكومات في دورها الرقابي، وإخفاق التشريع في مواكبة التطور السريع. وانحراف قطاع التمويل عن دوره كممـول للقطاعات الأخرى إلى المهيمن عليها، ليصبح ما يسمى الاقتصاد الافتراضي هو الأصل، والاقتصاد الحقيقي هو التابع. أما الانحراف الهام الثالث عن نظام اقتصاد السوق فيتمثل بغياب الشفافية وتواطؤ الإدارة وضعف رقابة المساهمين. فالأزمة، إذن، لم تكن بسبب الحرية الاقتصادية واقتصاد السوق، بل بسبب الانحراف الشديد عنهما، فهي أشبه بالاستثناء الذي يؤكد القاعدة. وبالتالي، إن هذه الأزمة يجب ألا تستخدم في الكويت ذريعة للنكوص عن الإصلاح الاقتصادي- المتمثل في تقليص هيمنة القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص في إطار المنافسة والعدل وتكافؤ الفـرص- بل يجب أن تعتبر مدخلاً لتسريع خطى الإصلاح، ولمواجهة الثغرات والأخطاء مراجعة دقيقة باتجاه تطوير التشريع، وتعزيز نظم الرقابة والضبط، وإعادة النظر في معايير المحاسبة والتصنيف.
رابعاً - من الثابت أنه كلما حققت المجتمعات قدراً أعلى من الديموقراطية والشفافية زادت قدرتها على مكافحة الفساد. غير أن الإشكالية الحقيقية ليست في اختيار الديموقراطية باعتبارها النظام السياسي الأفضل لمحاربة الفساد، بل الإشكالية في حماية الديموقراطية ذاتها من الفساد. فالنظام الديموقراطي الفاسد أشد خطراً من النظام الاستبدادي، وألد أعداء الديموقراطية هم الديموقراطيون الفاسدون. ويمكن القول بدرجة عالية من الثقة، أن من المتعذر على أية دولة أن تربح معركتها ضد الفساد وأن تنجح في تحقيق الإصلاح الاقتصادي بمعزل عن الإصلاح السياسي. لأن المعركة على الجبهتين وجهان لحرب واحدة. ونحن، في الكويت، نستطيع أن نكتب مؤلفات كثيرة في هذا الشأن. وتكفيني هنا هذه الإشارة .
وأخيــراً، الأخوة والأخوات؛
يقول المثل الصيني: آمٍن لمن يبحث عن الحقيقة، ولا تأمن لمن وجدها .
وقد كنت أبحث معكم عن الحقيقة، ولم أفلح في الإحاطة بها، رغم أني أخلفتُ ما وعدتكم به وأطلتُ الحديث. وشفيعي في ذلك إتساع المعنى وضيق العباره.