Severity: Notice
Message: Undefined index: dID
Filename: controllers/cms.php
Line Number: 38
Backtrace:
File: W:\wamp64\www\newweb\application\controllers\cms.php
Line: 38
Function: _error_handler
File: W:\wamp64\www\newweb\index.php
Line: 315
Function: require_once
القضايا الاقتصادية التي عالجتها الغرفة عام 2010
مشاريع خطة التنمية:
إشكالية إدارة لا مشكلة تمويل
في أوائل فبراير 2010 أقر مجلس الأمة الخطة الإنمائية التي تغطي السنوات الأربع (أبريل 2010 - مارس 2014) واستبشر الجميع بهذه الخطة كبداية لحقبة تنموية حقيقية تعوض سنوات التردد والتعثر.
وبُعيد شهر واحد من إقرار قانون الخطة ونشره، طرح عدد من أعضاء مجلس الأمة المحترمين اقتراحات تدعو إلى أن يقوم المال العام - وخارج إطار الجهاز المصرفي - بتمويل شركات المساهمة العامة التي نص قانون الخطة على تأسيسها لتنفيذ وإدارة وتشغيل المشروعات التنموية الاستراتيجية.
... وقد آثرت الغرفة أن تبقى في موقع المتابعة العلمية لهذا الحوار إلى أن تنجلي الصورة بكل أبعادها.. وعندما بلغ الحوار حداً يهدد مصداقية الخطة وفرص نجاحها رأت أن من حقها ومن واجبها أن تعرب عن موقفها من قضية تمويل الشركات المعنية، فأعدت ورقة تحت عنوان مشاريع خطة التنمية: إشكالية إدارة لا مشكلة تمويل نشرتها الصحف المحلية في أوائل سبتمبر 2010.
و فيما يلي نص الورقة:
أولاً– هذه الورقـة ... لماذا ؟
في الثاني من فبراير 2010، يوم أقرَّ مجلس الأمة الخطة الإنمائية – التي تغطي السنوات الأربع من بداية ابريل 2010 إلى نهاية مارس 2014 – لم يدَّع أحد أن الخطة جاءت شاملة كاملة لا تحتمل نقداً ولا تشكو قصوراً. بل إن آراء كثيرة أعربت عن تخوفها من أن تكون طموحات الخطة أبعد من مداها، ومن أن يفوق حجم مشاريعها القدرات المتاحة لتنفيذها، ومن أن تعيق طريقة عرضها وتعدد مرجعياتها جهود القياس والتقييم والمتابعة.
غير أن هذه الآراء - على أهميتها - لم تحل دون إقرار مجلس الأمة لقانون الخطة بإجماع غير مسبوق، ولم تنل من احتفاء المجتمع الكويتي، بكافة أطيافه وتوجهاته ومؤسساته، بهذه الخطوه. ذلك أن المواطنين استبشروا بالخطة فاتحة لتعاون وثيق ومثمر بين السلطتين، وتفاءلوا بها بداية لحقبة تنموية حقيقية تعوض سنوات التعثر والتردد. خاصة وأنها تمثل أولى مراحل العمل على تنفيذ وثيقة الرؤية المستقبلية والأهداف الاستراتيجية للتنمية، والتي يمتد افقها الزمني حتى سنة 2035. أما القطاع الخاص الوطني ومؤسساته وشركاته، فقد كان احتفاؤه بالخطة مضاعفاً، ليس لاهتمامها بالتنمية البشرية المتكاملة والمتوازنة فحسب، وليس لاستهدافها معدلات طموحة في زيادة الناتج القومي وضمان عدالة توزيعه فقط، بل لأنها – إلى جانب هذا وذاك – تمثل قاطرة الإصلاح الاقتصادي القائم على إحياء الدور المحوري للقطاع الخاص الكويتي، وهو الدور الذي حقق الريادة الكويتية التجارية في السابق، ويؤمل أن يعيد تحقيقها على أسس حديثة بتحويل الكويت إلى مركز مالي وتجاري.
هذه الأجواء المبشرة التي توفر للخطة إجماعاً يحمي مصداقيتها، وتصميماً يعطيها انطلاقة قوية جادة، تتعرض اليوم لاحتمالات تضعف زخمها وتشوه رؤيتها، جراء تصاعد وتيرة الحوار حول مصادر تمويل شركات المساهمة العامة التي نصت المادة الثانية من قانون الخطة على تأسيسها، لتنفيذ وإدارة وتشغيل المشروعات التنموية الاستراتيجية.
لقد بدأ هذا الحوار بعيد شهر واحد من إقرار قانون الخطة ونشره، وتابعته غرفة تجارة وصناعة الكويت منذ بدايته بكل تقدير لأطرافه واجتهاداتهم . ورغم تساؤلها الملح عن سبب تأخر هذا الحوار إلى ما بعد إقرار الخطة بدل أن يطرح قبل ذلك ليغني مضمونها ويساهم في صياغتها، لن تحاول الغرفة البحث عن هذا التفسير، ليبقى الهدف الأول والأهم لهذه الورقه، هو التنبيه إلى مخاطر خروج الحوار عن إطاره الاقتصادي، ودخوله في مساومات الساحة السياسية وحساباتها، والتحذير من انعكاسات ذلك على الخطة الإنمائية ومصداقيتها وفرص نجاحها، ما قد يؤدي بها - لا سمح الله - إلى اللحاق بالتجارب التخطيطية التي سبقتها، والتي بقيت مجرد وثائق متكررة لإخفاقات متواترة.
وتصارح الغرفة – منذ البداية – بعدم قناعتها بوجود مشكلة في تأمين تمويل مشاريع الخطة وشركاتها، وبالتالي، فإن ورقتها هذه لن تسعى لإيجاد حلول لمشكلة غير موجودة. والغرفة – في محاولة شرح وجهة نظرها هذه – تستعرض الأفكار والمبررات التي تسوقها وجهة النظر الأخرى، كما تنتهز الفرصة للتذكير بمجموعة من الآراء والمقترحات التي يؤمل منها دعم الجدوى الاقتصادية والتجارية للمشاريع الإنمائية وشركاتها، مما يسمح بتخفيض حجم التمويل الذي تحتاجه، وبزيادة قدرتها على اجتذاب هذا التمويل. كما أن الغرفة – في ورقتها هذه – لا تدافع عن مصلحة أي فرد أو قطاع، ولا تؤيد أو تعارض أي طرف أو مقترح، بل تحاول أن تؤدي واجبها، وأن توضح موقفها المتمسك بالمبادئ الاقتصادية والتمويلية السليمة والموثقة في قانون الخطة ذاته.
ثانياً - مبررات التمويل الموازي – مناقشة اقتصادية
ينطلق الرأي القائل بوجود مشكلة حقيقية في تمويل المشروعات التنموية الاستراتيجية، من أن الخطة تفتقد برنامجاً واضحاً لتمويل الشركات المساهمة العامة، التي نصت المادة الثانية من قانون الخطة على أن تؤسسها الدولة – كشركات قطـاع خاص – لتنفيذ وإدارة وتشغيل المشروعات التنموية الاستراتيجية. ويرى أصحاب هذا الـرأي أن سد هذا الفـراغ – إن صح التعبير – لا بد وأن يكون من خلال التدخل الكبير والمباشر للمال العام، لأن الجهاز المصرفي المحلي عاجز عن أداء هذه المهمة. ويرتكز أصحاب هذا الرأي في تسويق فرضية عجز الجهاز المصرفي المحلي إلى أسباب رئيسية ثلاثة:
1- إن حجم التمويل أكبر من أن تلبي وحدات الجهاز المصرفي المحلي احتياجاته، التي تفوق سيولتها ، كما تفوق قدرات كوادرها الفنية والإدارية.
2- تتمثل نسبة عالية من التمويل المطلوب في قروض طويلة الأجل، لا تتماشى مع الودائع قصيرة الأجل التي تشكل جلَّ موجودات المصارف المحلية.
3- بغية تحسين ربحية الشركات التي ينص قانون الخطة على تأسيسها، لا بدَّ من تخفيض كلفة تمويلها من خلال توفير قروض ميسّرة. وهذا ما لا تستطيع وحدات الجهاز المصرفي المحلي توفيره.
وفي ما يلي مناقشـة مختصـرة لكل من هذه الأسباب الثلاثة:
1- عجـز الجهـاز المصرفـي المحلـي:
لم نسمع من المشرفين على وضع الخطة ومتابعتها، ولا من أصحاب مقترح التمويل الموازي، ما يبين لنا حجم التمويل الذي تحتاجه الخطة. غير أن الإطار العام للخطة والمرفق بقانونها ينص على أن حجم الاستثمارات المستهدفة لسنوات الخطة الأربع يصل إلى قرابة 30 مليار د.ك. بمتوسط سنوي مقداره 7.4 مليار، موزعة بين القطاع العام النفطي (1.6)، والقطاع العام غير النفطي (2.4)، والقطاع الخاص (3.4 مليار).
ومع أخذ هذه الأرقام في الاعتبار، نذكر الحقائـق التالية:
أ- التمويل المطلوب ليس قروضاً نقدية بأكمله. بل تمثل الضمانات والكفالات المصرفية والتسهيلات التي يقدمها الموردون جزء لا بأس به من حجم التمويل. والأهم من ذلك، أن التمويل لا يكون دفعة واحدة، ولكن على دفعات كثيرة وعلى مدى زمني يطول ويقصر تبعاً لطبيعة المشروع وخطوات تنفيذه. وبالتالي، سيكون متوسط حجم التمويل النقدي المطلوب سنوياً أقل بكثير من الالتزامات المبرمة كل عام.
ب- يعتقد أكثر المراقبين تفاؤلاً، أن القدرة الحقيقية على التنفيذ لن تتجاوز 60% من حجم الاستثمار المستهدف. وقانون الخطة ذاته أقر ضمناً بهذا الواقع حين ذكر في مادته السابعه أن الأهداف الكمية الواردة في الخطة تعتبر أهدافاً تقديرية قابلة للتعديل حسب ما يطرأ من مستجدات أثناء التنفيذ... وهذا ما ينعكس انخفاضاً كبيراً في حجم متوسط التمويل النقدي السنوي المطلوب.
ج- بحكم الدور والخبرة والقانون، يعتبر بنك الكويت المركزي أجدر الجهات الرسمية والأهلية وأقدرها على معرفة إمكانات الجهاز المصرفي المحلي. وقد أدلى محافظ البنك المركزي بشهادته في هذا الصدد بكل وضوح حين صرّح يوم 8/8/2010: إن الجهاز المصرفي المحلي هو الأقدر على توفير مصادر التمويل اللازمة لمشروعات خطة التنمية، وبما يساهم إلى حدٍ كبير في تسريع تنفيذ الخطة. إذ تتوافر لدى الجهاز المصرفي المحلي الخبرات والكوادر الفنية والمهنية، كما تتوافر لديه السيولة اللازمة لتقديم التمويل المطلوب.
د- إننا نتحدث هنا عن تمويل مشاريع التنمية في دولة تعتبر قدرتها المالية أهم دعائم اقتصادها. كما أننا نتحدث هنا عن قطاعها المصرفي الذي يعتبر القطاع الأقوى بعد قطاع النفط، فضلاً عن انه القطاع الذي تنعقد عليه آمال دولة الكويت لتحقيق رؤيتها الإستراتيجية بالتحول إلى مركز مالي وتجاري. وفوق هذا كله، تعتبر مؤسسات هذا القطاع ووحداته المصرفية الأكثر تقدماً بين مثيلاتها على مساحة الشرق الأوسط كله. فكيف يمكن تجاهل رأي البنك المركزي في قدرة وإمكانات الجهاز المصرفي الخاضع لرقابته وإشرافه ؟ وكيف ندعو العالم إلى الثقة بوطننا كمركز مالي، إذا لم نثق نحن بجهازنا المصرفي وقدرته على توفير التمويل المحلي؟
2- القـدرة على التمويـل طويـل الأجـل:
من أسباب الدعوة إلى التمويل الموازي، كما رأينا، أن المشاريع التنموية وشركاتها تحتاج إلى تمويل طويل الأجل، بينما تشكل الودائع قصيرة الأجل المصدر الرئيسي لأموال الوحدات المصرفية المحلية. ومع التسليم بوجاهة هذا السبب وموضوعيته، نعتقد أن التعامل معه يعتمد إلى حدٍ بعيد على ملاءة الجهة المقترضة، والجدوى الاقتصادية والتجارية لمشاريعها. ومن جهة ثانية، يمكن تجاوز مخاطر عدم الانسجام بين مدة القروض وأجل الودائع من خلال التحالفات بين المصارف المحلية بعضها مع بعض، والتحالفات بينها وبين المصارف الأجنبية لتقديم قروض مجمّعة (Syndicated Loans). كما تبرز في هذا الصدد أهمية قيام المصارف المحلية بزيادة رؤوس أموالها لترفع من قدرتها على التمويل متوسط وطويل الأجل. ولا يمكن أن نغفل هنا أهمية السندات كوسيلة تمويلية سخية الوعد في توفير تمويل طويل الأجل وفي إطار الجهاز المصرفي. وتحضر هنا شركة ايكويـت كمثال لقدرة الشركات ذات الجدوى العالية والتدفقات المالية الواضحة على اجتذاب التمويل المناسب لها ، فقد حصلت ايكويت على تمويل ضخم طويل الأجل من مصارف محلية وأجنبية، وفي فترة كانت إمكانات هذه المصارف فيها أدنى من الآن بكثير.
3- تحسيـن ربحيـة الشركـات المعنيّـة:
من أهم المبررات التي يسوقها أصحاب مقترحات التمويل الموازي، أن مثل هذا التمويل يجب أن يكون ميسراً ومدعوماً ومنخفض التكلفة لكي يخفض تكاليف الشركات التنموية المقترضة، ويزيد من الجدوى الاقتصادية والمالية لمشاريعها، ويسمح بتحقيق هامش ربح كاف للتوزيع على المساهمين وتسديد القروض. ومثل هذا التمويل يتعذر على الوحدات المصرفية المحلية والخارجية تقديمه، ولابد من تدخل المال العام لتوفيره. وفي هذا الصدد، نود أن نُدرج النقـاط التالية:
أ- المبدأ العام الذي يجب احترامه إلى أبعد حدٍ ممكن، هو أن تكون مشاريع التنمية وشركاتها ذات جدوى اقتصادية وتجارية حقيقية على المدى الطويل على الأقل. وإلا جاءت عبءً على الاقتصاد الوطني ونزفاً دائماً للمال العام. ولا تستثنى من هذه القاعدة إلا مشاريع الأمن الغذائي ومشاريع الأمن الوطني.
ب- إن أقصى ما يمكن أن يحققه التمويل الميسر من وِفر للشركة بالمقارنة مع التمويل العادي هو 4% من مبلغ القروض سنوياً. وهذه نسبة لا تستحق- في اعتقادنا - التضحية بكل مزايا التمويل التقليدي، وتجاوز حدود احترام مبادئ المنافسة العادلة، وتعميق التشوهات الهيكلية في اقتصادنا الوطني.
ج- يمكن للدولة أن توفر للشركات المعنية ومشاريعها تمويلاً ميسراً دون اللجوء إلى أسلوب التمويل الموازي، من خلال تغطية الفرق بين تكلفة التمويل التقليدي وتكلفة التمويل الموازي، على أن يبقى الإقراض ملتزماً بمعايير الملاءة والسلامة والجدوى. ومثل هذا الدعم من الدولة أقل تكلفة بكثير من مقترحات التمويل الموازي التي يفوق حجم المبالغ المطلوبة بموجبها عشرة مليارات دينار.
د- الأمر الأهم والأجدر بالملاحظة والمتابعة، هو أن مقترحات التمويل الموازي، قد تجاهلت كل طرق ووسائل وعناصر تحسين ربحية الشركات ورفع جدواها الاقتصادية والتجارية، وركزت على عنصر واحد فقط هو تكلفة التمويل، رغم انخفاض الأهمية النسبية لهذا العنصر. وإذا كانت كفاءة الإدارة هي أهم محددات تكاليف الشركات وفرص نجاحها بشكل عام، فإن ثاني أهم هذه المحددات بالنسبة لشركات الخطة ومشاريعها الإنمائية يكمن في شروط اتفاقاتها وعقودها مع الجهات الحكومية من جهة، والقيود المتشدّدة التي أقحمت ضمن نصوص القوانين ذات الصلة بفعل الضغوط السياسية ومنظور الشك والريبة من جهة ثانية.
إن شروط الإذعان التي فرضتها بعض المناقصات هي التي عرقلت تمويل مشاريعها وحالت دون تقدم الشركات لها. وإن تعديلات تعيد لتشريعات عديدة - مثل قوانين البناء والتشغيل والتحويل - BOT، والخصخصة، والمناقصات، والعمل، والرهن العقاري - حيويتها وتوازنها، يمكن أن تعود بمردود ايجابي على المال العـام، وأن تزيد من ربحيّة المشاريع التنموية وشركاتها، ومن جدواها الاقتصادية والمالية وفرص نجاحها، بما يناهز أضعاف التأثير المستهدف من التمويل الموازي الميسر.
ثالثاً - مشكلة إدارة لا مشكلة تمويل
يرى الداعون إلى التمويل الموازي لمشاريع التنمية وشركاتها، ان قنوات الائتمان المصرفي التقليدي تعاني اختناقات وانسدادات كثيرة ومعيقة لتمويل القطاع الخاص عموماً وتمويل المقاولين والمشاريع الإنشائية على وجه الخصوص . وقد عقدت غرفة تجارة وصناعة الكويت عدة ورشات عمل مع المصارف المحلية والعديد من شركات المقاولات، تم خلالها تحليل هذه الظاهرة بشمول وعمق، وتبيّن للغرفة من خلاله أن الحديث عن انسدادات ومعيقات ائتمانية فيه كثير من الصحة. كما تبيّن للغرفة – بالمقابل - ان هذه الانسدادات تلحق ضرراً كبيراً بمؤسسات وشركات القطاع الخاص وبالمصارف المحلية معاً. وان العدد الأكبر والأخطر منها لا يتعلق بالعجز عن التمويل، بل يعود إلى قصور في الإدارة بمعناها الواسع وفي القطاعين العام والخاص على حدٍ سواء. وبالتالي، ان معالجة هذه المعيقات والاختناقات الائتمانية لا تكون باللجوء إلى التمويل الموازي بكل ما يحمله من مخاطر وما يتجاوزه من أصول وقواعد، بل لا بد لهذه المعالجة من تعاون وتضافر جهود كافة الجهات المعنية، لتحقيق خطوات تشريعية وتنظيمية وإجرائية عديدة، نذكر منهـا:
آ- سبق لمحافظ بنك الكويت المركزي أن أعلن أن سياسة البنك تسمح بمنح استثناءات من الضوابط المقررة في مجال منح الائتمان بالنسبة للمشاريع الكبيرة ذات الطابع الاستراتيجي. وأن هذا ما تم تنفيذه بالفعل في العديد من المشروعات ذات الطابع الوطني في السابق.
وهنا يمكن أن نذكر بعض الاستثناءات التي نأمل أن تساهم في معالجة الاختناقات في خطوط الائتمان مثل: اعتبار حوالات الحق ضمن الضمانات التي يقبلها المركزي. وكذلك رفع سقف المبالغ الممكن إقراضها لمدين واحد أو لقطاع واحد.
ب- المصارف المحلية مدعوة بدورها إلى اتخاذ خطوات عديده لتسهيل فتح خطوط الائتمان للقطاع الخاص، مثل: زيادة رؤوس أموالها لتزداد قدرتها على الإقراض عموماً وعلى الإقراض بآجال متوسطة على وجه الخصوص. وكذلك العمل على تشكيل تحالفات أو شركات فيما بينها، وبالتعاون مع مصارف خارجية لتستطيع تمويل المشاريع الكبيرة بقروض مجمّعة. إلى جانب العمل على إصدار سندات ذات آجال طويلة نسبياً.
ج - تعديل قانون البناء والتشغيل والتحويل B.O.T ليكون أكثر واقعية وتجاوباً مع الاحتياجات الفعلية، وبالتالي، تسهيل إقراض هذه المشاريع. وهذا ما ينطبق أيضاً على قانون الخصخصة لمعالجة ما اعتراه من شروط مرهقة نتيجة الضغوط السياسية وتسويات اللحظة الأخيرة.
د- تيسير وتقصير الدورة المستندية لترسيه المشاريع، بما في ذلك صرف الدفعات وتحصيلها، مما يسهل تمويل هذه المشاريع، ويخفض حجم احتياجاتها للتمويل النقدي.
ه- إيجاد معايير واضحة تسمح بإعطاء أولويات محسوبة للمقاولين الذين تؤكد وثائقهم وسجلات مشاريعهم السابقة التزامهم بشروط العقد. والذين يتقدمون بما يثبت حصولهم على موافقات مصرفية مسبقة على تمويلهم.
و- إيجاد نظام يسمح، ضمن معايير واضحة، بتعويض المقاولين عن ارتفاع أسعار المواد الإنشائية بأكثر من نسبة محدده، وخاصة عندما تمتد الفترة الفاصلة بين طرح المناقصة وإرسائها أكثر من مدة محدده.
ز- ضمان حقوق المصارف المقرضة، إذا ما سحبت الجهات الرسمية المعنية المشروع من المقاول. مع حق هذه الجهات بالعودة على المقاول في ذلك، إذا كان سحب المشروع منسجماً مع نصوص عقد المقاولة.
ح- تشجيع شركات المقاولات على التحالف أو الاندماج لزيادة عدد المقاولين المؤهلين لتنفيذ مشاريع التنمية.
رابعاً – هل يحتاج تمويل شركات الخطة إلى قانون؟
يوم 18/8/2010، ترأس سمو رئيس مجلس الوزراء اجتماعاً ضم الوزراء المعنيين ومحافظ بنك الكويت المركزي، لبحث موضوع تمويل مشاريع الخطة. وانتهى الاجتماع – حسب تصريح رسمي – إلى الاتفاق على نوعين من التمويل؛ الأول، هو التمويل التقليدي من قبل قطاع المصارف المحلي ووحدات القطاع الخاص المختلفة، وتحت رقابة البنك المركزي. والنوع الثاني من التمويل هو الدعم المالي الميسّر لفترات زمنية طويلة ومن خلال وحدات النظام المصرفي أيضاً. وتكليف البنك المركزي بإعداد مشروع قانون ينظم ذلك.
ورغم ما يكتنف هذا التصريح من غموض يفتح المجال أمام اجتهادات مختلفة في التفسير، يمكن القول أن مدلوله العام ينبئ بترجيح تمويل مشاريع التنمية من خلال وحدات الجهاز المصرفي وتحت رقابة البنك المركزي، وبما يؤمن لمشاريع التنمية حجماً ملائماً من التمويل الميسّر. ومع أن مثل هذا المدلول لتصريح المجتمعين يوم 18/8 يدعو إلى تفاؤل مشوب بالحذر، فإننا نجد من المفيد التساؤل عن مدى ضرورة وجدوى إصدار قانون ينظم تمويل مشاريع الخطة؟
إن أعضاء مجلس الأمة الأفاضل الذين تقدموا بأكثر من مقترح بقانون لتمويل مشاريع الخطـة، إنما فعلوا ذلك لأنهم يرون الخروج عن الأسلوب التقليدي في هذا التمويل، والنأي عن وحدات الجهاز المصرفي في مصادره. وهذا ما يحتاج - بالتأكيد - إلى قانون ينظمه. أما الفريق الحكومي فقد آثر الأسلوب التقليدي، وآثر حصر التمويل بوحدات الجهاز المصرفي، حتى لو كان هذا التمويل من قبيل الدعم المالي الميسّر. وهذا ما يجري العمل به فعلاً، وهو – أيضاً – ما نص عليه الإطار العام للخطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة. خاصة عندما نص قانون الخطة ، في مادته السادسة، على أن يراعى في إعداد مشاريع الخطة والموازنة العامة للدوله الأهداف والسياسات والبرامج الواردة في الخطط السنوية، وأن تتم تقديرات الموازنة وفق ما جاء بالخطط السنوية.... وبالتالي، ليس ثمة حاجة - في اعتقادنا - لإصدار قانون جديد ينظم تمويل الشركات التي نصت عليها المادة الثانية من الخطة. بل إن مثل هذا القانـون سيحد كثيراً من المرونة اللازمة للتعامل مع الحالات والمشاريـع المختلفة، وسيقلص - بالتالي - إمكانيات الدعم المالي الميسّر لآجال طويلة.
خامساً- وقفة مع مفهوم ودور شركات الخطة
تسعى خطة التنمية خلال سنواتها الأربع إلى إقامة مشاريع تنموية استراتيجية في مجالات بناء المدن، المستودعات، الخدمات التعليمية والصحية والإعلامية والسياحية، الاتصالات، العمالة، مترو الأنفاق، وإنتاج الكهرباء. على أن تقوم بتنفيذ وإدارة هذه المشاريع شركات مساهمة عامة تؤسسها الحكومة، وتحتفظ بما لا يزيد عن 24% من رأسمالها، ويطرح نسبة 26% للشركاء الاستراتيجيين بالمزاد العلني، ويُطرح الباقي (50%) للاكتتاب العام بالتساوي بين جميع المواطنين.
ومع التقدير الكامل لدوافع فكرة هذه الشركات والمتمثلة بتعزيز دور القطاع الخاص، ومشاركة كافة المواطنين في مشاريع التنمية وثمارها، فإننا نعتقد أن عدد هذه الشركات وحجمها وأهميتها تفرض علينا وقفة مراجعة تجاه هذه الفكره، تكون أكثر تأنياً، وأبعد رؤية، وأقل تسييساً، وتأخذ في الاعتبار الحقائق التاليـه:
- إن مشاركة جميع المواطنين في هذه الشركات لن تزيد عن مبلغ زهيد جداً لكل مواطن، ولن نستغرب أن تسدده الدولة نيابة عنه. ولكن الأهم من ذلك أن هذه المشاركة لن تستمر إلا عاماً وبعض عام، حيث لابد من إدراج هذه الشركات في سوق الكويت للأوراق المالية بعد سنة من إنشائها. وعندئذ ستنتقل ملكية أغلبية هذه الأسهم إلى مجموعات استثمارية متخصصة. ومع أن هذا الانتقال يمثل تطوراً إيجابياً لمصلحة الشركة ونجاحها، إلا أنه يأخذ منها هالة الشعبية التي أحيطت بها وكانت من أسباب وجودها.
- لا تملك هذه الشركات احتياطات من سنوات سابقة، ولن يكون لديها تدفقات نقديه لسنوات عديده قادمه. وليس لديها خبرات في تنفيذ المشاريع وإدارتها يحكم على كفاءتها من خلالها، مما يجعل حصولها على تسهيلات ائتمانية وقروض نقدية كافية أمراً صعباً ما لم تحظ بضمانة المال العام.
- ستوزع مشاريع التنمية الاستراتيجية على هذه الشركات، بالتجاوز لكل اعتبارات المنافسة العادله والفرص المتكافئه، وبالتجاوز للكثير من التشريعات والإجراءات المرعية وفي طليعتها قانون تشجيع المنافسة ومنع الاحتكار.
- النسبة المخصصة للشركاء الاستراتيجيين في ملكية الشركة (26%) نسبة غير مشجعة على الإطلاق لاجتذاب شركاء أصحاب خبره وتقنية واستثمارات أجنبية، خاصة إذا تم تقسيم هذه النسبة إلى شرائح أصغر.
وباختصــار، إن الوقفة التي ندعو إليها لإعادة دراسة مفهوم وعمل هذه الشركات إنما يقصد منها أن نعود بها إلى أصول العمل التنموي والاستثماري، إذ يصعب تعزيز دور القطاع الخاص من خلال تجاوز أصول عمل هذا القطاع القائمة على المبادرة والمنافسة وتكافؤ الفرص.
سادساً - عـود علـى بـدء
في هذه الورقة، تعرب غرفة تجارة وصناعة الكويت بكل صراحة عن رأيها بأن الحوار الذي يشغل الساحة الاقتصادية الكويتية، في شأن تمويل الشركات المساهمة التي نص عليها قانون الخطة، هو حوار حول مشكلة ما زالت في دائرة الظن، تتعلق بتمويل شركات لم تؤسس بعد، غرضها تنفيذ مشاريع قيد الدراسه. وهو حوار يكاد يخرج عن إطار الاعتبارات والمنطلقات الاقتصادية، ليدخل أروقة اللعبة السياسية وحساباتها، مما يعرض الخطة الإنمائية ومصداقيتها والآمال المعقودة عليها إلى مخاطر حقيقية لا سمح الله.
والغرفـه، إذ ترفض القول بوجود مشكلة في تمويل مشاريع خطة التنمية ناجمة عن عجز الجهاز المصرفي المحلي، لا تنكر أبداً وجود إشكالات تشريعية وتنظيمية وإدارية تعيق وصول الخطوط الائتمانية المصرفية إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة بكفاية عالية وتكلفة عادله.
من هنا، كان الهدف الأول والأهم لهذه الورقه هو التحذير من مغبة تسييس الحوار حول تمويل الخطة، والعودة به إلى أصوله الفنية من خلال مقاربة هذه الإشكالات، وتسليط الضوء عليها، حرصاً على الخطة الإنمائية، ودعماً للجهود الكبيرة التي بذلت من أجل وضعها وإقرارها، وغيرة على الآمال الواسعة التي عقدت عليها.
وقد حرصت الغرفة على أن تكون مقاربتها لهذه الإشكالات منبثقة من منطلقات الخطة ذاتها، وخاصة ما ورد في إطارها العام المرافق لقانونها، والذي جاء فيه - بشأن سياسات التحول إلى مركز مالي وتجاري - ما يلـي:
فإذا أضفنا لهذا كله ما سبق ذكره عن تأكيد البنك المركزي على أن الجهاز المصرفي يملك من الخبرات والكوادر، ويملك من السيولة، ما يجعله الأقدر على توفير مصادر التمويل اللازمة لمشروعات الخطة التنموية، يمكننا الدعوة بكل ثقة وموضوعيه إلى أن يكون تمويل شركات المشاريع التنموية الاستراتيجية من خلال الجهاز المصرفي، وتحت رقابة وإشراف بنك الكويت المركزي. لأن في ذلك تحقيق الفوائد والمزايا التالية:
- تطوير القطاع المصرفي وتحقيق النسبة المستهدفة في الخطة لنموه، وهي 7% سنوياً.
- الاستفادة من خبرات البنوك في إدارة المشاريع وتمويلها بالتعاون مع البنوك والمؤسسات المالية الخارجية.
- الاستفادة من خبرة البنوك في إدارة وتقييم المخاطر.
- تمكين البنك المركزي من أداء دوره الأساسي في رسم وتطبيق السياسات الائتمانية والسياسات النقدية.
- تفادي الانعكاسات التضخمية الخطيرة التي يمكن أن يؤدي إليها تقديم الائتمان خارج النظام المصرفي ورقابة المركزي.
- إن قيام الدولة بتقديم التمويل للمشاريع الخاصة بصورة مباشرة، وخارج الجهاز المصرفي ورقابة البنك المركزي، سيفتح الباب على مصراعيه للتدخلات والتأثيرات السياسية، وسيخلق نظاماً تمويلياً موازياً غير منظم وغير منضبط بفعل انكشافه أمام المساومات السياسية.
لقد نجحت الكويت في تمويل جهود ومشاريع إعادة الإعمار، بعد تحريرها في فبراير 1991، رغم أن احتياطات الدولة وصلت ذاك الوقت إلى أدنى مستوياتها، ورغم أن المصارف الوطنية كانت تعاني أوضاعاً مالية وإدارية وفنية بالغة الصعوبة. ونحن على ثقة بأن التجربة التنموية الجديدة ستكرر هذا النجاح، إذا ما نأت عن كثير من الريبة والشك ، والتزمت المعايير الاقتصادية الصحيحه.
وأخيـــرا؛
إن الحوار حول الخطة ليس ظاهرة صحية فحسب، بل هو - أيضاً - ظاهرة ضرورية يجب أن تستمر، لكي تسمح بالتطوير في ضوء التنفيذ، وتعمل على تصحيح الخطأ قبل أن يتحول إلى انحراف. غير أن مثل هذا الحوار يجب أن يبقى في إطاره الاقتصادي والاجتماعي، ويجب أن يحافظ على نهجه الموضوعي المتفهم للرأي الآخر، والمتقبل للصواب فيه. أما إذا تسيس هذا الحوار، فخرج عن إطاره وافلت من نهجه، فسيأخذ الخطة إلى جوار سابقاتها، وستكون التنمية ومشاريعها، والكويت ومستقبل أجيالها هي الضحيّه.
فلنتحاور من أجل الكويت ومستقبلها، لأن الحوار تلاقح في الأفكار يزيدها رشاداً، ولنحذر الجدل لأن الجدل تصادم في العناد يوّرث ندماً. ولنترسم كلمة صاحـب السمـو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصبـاح حين قـال:
إن التعاون لا يعني عدم وجود اختلاف في الرأي ، ولكن اختلاف المجتهدين في البحث عن الحقيقة تتعدد فيه الاجتهادات وتتباين فيه المواقف بحوار يتسم بالموضوعية والتجرد، يترفع عن النوازع الشخصية والمصالح الفردية، ويغلب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فترسخ به ومن خلاله ثقة المواطن في النظام الدستوري الذي ارتضيناه منهج حكم وأسلوب حياة...